حوارات مع الدكتور/ عز الدين الورداني– الخبير في شؤون تركستان الشرقية لـ”آسيا الوسطى
3 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
احمد
عدد المساهمات : 999
نقاط : 726067 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 03/09/2011 العمر : 29
موضوع: حوارات مع الدكتور/ عز الدين الورداني– الخبير في شؤون تركستان الشرقية لـ”آسيا الوسطى السبت أكتوبر 22, 2011 1:55 am
حوارات مع الدكتور/ عز الدين الورداني– الخبير في شؤون تركستان الشرقية لـ”آسيا الوسطى
حكام جمهوريات آسيا الوسطى لا تتوفر لديهم الإرادة لنصرة قضية تركستان الشرقية.
- منظمة شنغهاي هدفها تحييد بلاد آسيا الوسطى بعيدًا عن القضية.
- وجود إسرائيل وأمريكا في المنطقة يعقد علاقاتها مع العالم العربي.
تركستان الشرقية جزء لا يتجزأ من منطقة آسيا الوسطى، وتشاركها الحدود، وكانا شيئًا واحدًا قبل قدوم المحتلين الذين قسموا الأرض إلى قطعتين، وأسموهما زورًا بغير أسمائهما، قسم سُمي بتركستان الغربية، وهو عبارة عن خمس جمهوريات مستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، وهي: كازاخستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان، وقسم أسموه تركستان الشرقية.
والحقيقة أن القسم الأول “تركستان الغربية” ينعم ببعض الاستقلالية حتى لو كانت صورية، لكن “تركستان الشرقية” ترزح اليوم تحت نير الاستعمار الصيني، والذي جعلها مستعمرةً له يستلب خيراتها وثرواتها، وقد غيَّر الاستعمار الصيني اسمها إلى اسم جديد هو: سينيجيانغ، أي المستعمرة الجديدة، وعانى التركستانيون أشد المعاناة من جراء ما يفعله بهم الصينيون من قبيلة “الهان”، ومما ضاعف من مأساتها التجهيل المتعمد لقضيتهم، وضعف الدعم العربي والإسلامي لأبنائها.
وكما ذكرنا فهذا الإقليم كان جزءًا مهمًا من منطقة آسيا الوسطى، ما يلقي على الأخيرة مهمة الدفاع عن قضية تركستان الشرقية، والسعي حثيثًا لنصرتها، وحول الدور المنتظر من جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة تجاه قضية تركستان الشرقية كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور/ عز الدين الورداني– الخبير في شؤون تركستان الشرقية.
· في البداية نرحب بحضرتك معنا، ونود أن تلقي الضوء على الروابط الحضارية والتاريخية التي تربط بين منطقة آسيا الوسطى “تركستان الغربية” وبين منطقة تركستان الشرقية؟ وما أشهر القضايا التي تربط بين المنطقتين؟
- أود أن أشير في البداية إلى أن منطقة آسيا الوسطى تضم أيضًا تركستان الشرقية وأجزاء من مناطق كانسو وتشينغهاي داخل الصين.
وتربط مظاهر الحضارة الإسلامية بين المنطقتين من حيث التشابه الكبير بين العادات والتقاليد والسلوكيات التي تحكمها المبادئ الإسلامية، وأيضًا الفنون والآداب والمعمار، كما يربط بينهما التشابه اللغوي، فاللغات السائدة سواء الأويغورية أو القازاقية أو الأوزبكية وغيرها تتشابه إلى حد كبير في لهجات تنتمي إلى أسرة اللغة التركية.
وتاريخيًا لم تكن الحدود بين المنطقتين بهذا الشكل، وقد تشكلت بها العديد من الدول التركية والإسلامية التي حكمت في منطقة تركستان بشطريها مثل الهون، الدولة القراخانية والدولة الخوارزمية وغيرها.
وكلاهما خضع للاحتلال، فتركستان الشرقية احتلتها الإمبراطورية الصينية المنشورية 1760، ثم جمهورية الصين الوطنية 1911، ثم الحكم الشيوعي الصيني 1949 حتى الآن. وتركستان الغربية خضعت لحكم روسيا القيصرية منذ عام 1885، ثم الحكم الشيوعي للاتحاد السوفيتي السابق 1917 حتى استقلت عام 1991.
-وكذلك تم تغيير اسمهما، فتركستان الشرقية غيرت اسمها عام 1882 إلى “شينجيانج” بمعنى الأرض أو الحدود الجديدة، وتركستان الغربية غير الروس اسمها إلى المصطلح الذي أطلقوه وأشاعوه في مختلف الأوساط الدولية، وهو (آسيا الوسطى) منذ عام 1925، كما عانت المنطقتان من محاولات عنيفة لإضعافهما ومحو هويتهما الدينية والحضارية.
· وبرأيك يا دكتور، ما الدور الذي يمكن أن تقوم به جمهوريات آسيا الوسطى في حل قضية تركستان الشرقية؟
- في ظل معطيات الواقع الحالي للمنطقة، وأهمها بروز الصين كقوة دولية ذات نفوذ، ووجود أنظمة حكم في تلك الجمهوريات لا تتوافر لديها الإرادة حتى لحث الصين على تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية لشعب تركستان الشرقية، فإن دور حكومات تلك الجمهوريات محدود للغاية، إلا أن الشعوب يمكن أن تقدم للدعم الكثير من حيث إمكانية التواصل مع إخوانهم التركستانيين في مختلف المجالات، مثل التعاون الاقتصادي، تقديم الخدمات التعليمية، والمعونات الإنسانية، ومساعدة من يهاجر إليهم من الشطر الشرقي.
· كما ذكرت فإنه بعد استقلال دول آسيا الوسطى ظهرت في الأفق ملامح سياسة صينية جديدة تجاه المنطقة، واستطاعت بكين أن توطد علاقاتها بهذه الدول. فما تأثير هذه العلاقة على دور المنطقة في قضية تركستان؟
- باختصار، أعتقد أن الصين حيدت حكومات تلك الدول الشقيقة عن قضية تركستان، بل في أحيان كثيرة سلمت تلك الحكومات إلى الصين العديد من الأويغور الفارين من القهر الصيني.
· الموقع الجغرافي لهذه المنطقة وما يحتويه من تركيبة إثنية ذات امتدادات تخترق الحدود الصينية باتجاه إقليم “شينجيانغ” “تركستان الشرقية”، هل يمكن أن يساعد ذلك في قدرة المنطقة على مساعدة الإقليم؟
- بالتأكيد فالمنطقة يهيمن عليها العرق التركي بقبائله المتعددة من قازاق وأويغور وقرغيز وأوزبك، فكل هذه القوميات لها امتدادات داخل تركستان الشرقية وخارجها، فهناك مثلاً ما يزيد عن المليون من القازاق داخل تركستان الشرقية، ونحو ذلك من الأويغور في جمهوريات آسيا الوسطى، وهذا يعني ضرورة وجود تواصل وتعاطف حتمي بين الجميع، وإذا حدث تحول حقيقي نحو الديمقراطية سوف تمثل الشعوب قوة ضغط على الحكومات لتقديم الدعم الفعال لمساعدة الإقليم.
-وربما يعد التعدد الإثني في المنطقة الأداة التي تستخدم لإذكاء الاضطرابات الداخلية، وفي تصوري أن الاضطرابات وعدم الاستقرار في المنطقة يرجع إلى عوامل أخرى، أهمها:
- أنظمة الحكم الشمولية وما يستتبعها من قمع أمني، وكبت للحريات السياسية.
- انتشار الفساد، وتدهور مستويات المعيشة.
- النمو المتزايد لحركة الإحياء الديني لدى شعوب المنطقة التي لا تزال تتمسك بعقيدتها الإسلامية رغم محاولات الحكم الشيوعي لمحوها؛ وتزامن ذلك مع فشل الأنظمة الحاكمة في المنطقة في تقبل واحتواء الحركات الإسلامية داخل العملية السياسية في دول المنطقة.
- مشاكل الحدود السياسية بين دول المنطقة، والتي قامت موسكو بتحديدها منذ العام 1920 دون اعتبار للكيانات القومية المتداخلة، والتي قسمتها تلك الحدود السياسية بين مختلف الدول.
· قامت الصين بإنشاء “منظمة شنغهاي للتعاون”، ودعت هذه الجمهوريات المستقلة للانضمام إلى عضويتها. برأيك ما الهدف الحقيقي والخفي لهذه المنظمة؟
- “منظمة شنغهاي للتعاون” من أهم الآليات والتحركات الاستباقية للسياسة الصينية لتحييد دول تركستان الغربية بعيدًا عن قضية تركستان الشرقية، بل ودفعها إلى تبني الرؤية الصينية في معالجة تلك القضية، وتعد المسألة الأمنية ومواجهة الحركات الإسلامية، وتأمين الأوضاع السياسية القائمة الهدف الحقيقي للمنظمة.
آسيا الوسطى.. منطقة صراع وانفصال
· ننتقل للحديث حول منطقة آسيا الوسطى، ونقول: الناظر للموقع الجغرافي لمنطقة آسيا الوسطى يجد أن هناك شبه انفصال بين المنطقة والعالم الخارجي، بالإضافة إلى أن المنطقة تعاني من الاضطرابات الداخلية نتيجة التعدد الإثني، ما تأثير ذلك على المنطقة سياسيًا واقتصاديًا؟
- بلا شك فإن لهذا التعدد العرقي تأثيرًا كبيرًا، فالمنطقة بهذه الصورة مرشحة للاضطرابات السياسية بأدوات عرقية، وما أحداث قرغيزيا ببعيد، وسيؤثر ذلك على اقتصادات تلك الدول بالسلب، فالنمو الاقتصادي وتدفق الاستثمارات يحتاج إلى استقرار سياسي، ومن ثم ستضعف تلك الدول وتصبح مناطق رخوة سهلة الاختراق والتبعية لنفوذ مختلف القوى الدولية.
· بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق حاولت إسرائيل بكل السبل النفاذ ليس إلى أذربيجان فقط، ولكن إلى كافة جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية باعتبارها دول حديثة النشأة.. ماذا عن آليات هذا النفاذ قديمًا وحديثًا؟ وما آخر تطوراته؟
- سارعت إسرائيل حال إعلان استقلال هذه الجمهوريات إلى الاعتراف بها، وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها، وتتابعت زيارات الوفود المتبادلة بين الطرفين، وتطوير العلاقات الاقتصادية، وعرضت إسرائيل تقديم خبراتها في مختلف النواحي من صناعة وزراعة وخدمات، بل حتى تقديم الخبرات الأمنية في مكافحة الحركات الإسلامية داخل هذه الدول، وبالأخص أوزبكستان.
· وهل تؤثر هذه العلاقة بين إسرائيل ومنطقة آسيا الوسطى في علاقة الأخيرة بالمنطقة العربية؟ وفي علاقتها بدول الجوار؟
- قطعًا يؤثر، فتوفير إسرائيل لمختلف الخبرات لتلك الدول قد يدفعها إلى الاستغناء عن خدمات الدول العربية التي تأخرت في التوقيت، ومن ثم تظل علاقة العرب بالمنطقة أقل من المستوى المطلوب. وهو الأمر الذي يحرم العرب من منافع اقتصادية، بل وربما خبرات في تلك الدول نحتاجها مثل التقنية النووية وتكنولوجيا الفضاء التي ورثتها المنطقة عن الاتحاد السوفيتي السابق، وإسرائيل في علاقتها مع دول آسيا الوسطى ستعمل من قريب على مراقبة التحركات الإيرانية وملفها النووي، وكذلك علاقة روسيا العسكرية والاقتصادية الجيدة مع العرب وبالأخص سوريا، وستنافس إسرائيل الآخرين في الحصول على المكاسب الاقتصادية، ولن تتوانى عن تهديد أو تفجير علاقات دول المنطقة مع بعضها إذا ما تعرضت مصالحها للخطر.
· وماذا عن البعد الأمني في علاقة إسرائيل بهذه المنطقة؟ بمعنى أن الزيارات لهذه المنطقة وأبرزها أذربيجان وكازاخستان تأخذ الطابع الدبلوماسي ظاهريًا، لكن يرى الكثيرون أن هناك أبعادًا خفية لمثل هذه الزيارات؟ فما هي؟
- أذربيجان وقازاقستان يوضحان الأبعاد الخفية في علاقة إسرائيل بتلك الدول؛ ففي أذربيجان تقترب إسرائيل كثيرًا من إيران ذات المشروع النووي الذي يهددها، وتمكنت من إقامة محطات مراقبة للداخل الإيراني في أذربيجان.
- وفي زيارة شمعون بيريز لقازاقستان عام 2009، وكذلك زيارة ليبرمان، بالرغم من الطابع الدبلوماسي والاقتصادي، إلا أنهما بحثا أمورًا مثل عدم بيع اليورانيوم لإيران، وتطوير العلاقات في مجال الفضاء، فلدى قازاقستان قاعدة فضائية هامة ( بايكونور)، وكذلك تم تناول الحرب على الإرهاب ومحاصرة الحركات الإسلامية.
• لكن إسرائيل استطاعت النفاذ داخل هذه الدول منذ ما يقرب من عقدين من الزمان. برأيك كيف يمكن للعالم العربي والإسلامي أن يتدخل بقوة لإزاحة هذا الوجود الإسرائيلي، ثم إيجاد وجود عربي مقابل داخل هذه الدول؟
- لدينا عوامل مهمة للغاية يمكن استثمارها، فلدى شعوب العالم الإسلامي وشعوب هذه المنطقة نوع من التوجه النفسي والولاء الديني نحو الأمة العربية، التي بها قبلة المسلمين، ونشأ بها الإسلام، وحمله العرب إلى مختلف الأمم؛ فالأرضية ممهدة هناك لقبول العرب والمسلمين، كذلك لدينا الكوادر البارعة في مجالات النفط والغاز والتعدين والزراعة والري، وهي مجالات اقتصادية أساسية في تلك الدول، وبالتأكيد أن وجود أصحاب الدين الواحد والحضارة الواحدة، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية، وهو بعد مهم جدًا الآن سوف يسمح بوجود عربي قوي يتمكن في فترة وجيزة من إزاحة الوجود الإسرائيلي الذي لا تُؤْمن عواقبه في تلك الدول.
· وهل هناك أي تقصير بشكل من الأشكال من طرف المحيط العربي عامة، والشرق الأوسط خاصة تجاه هذه المنطقة المهمة من العالم الإسلامي؟
- نعم هناك تقصير واضح من قبل العالم العربي تجاه المنطقة، فلم نستثمر البعد الثقافي بشكل كامل، صحيح أن هناك مثلاً جامعة نور مبارك في قازاقستان، والكثير من العلاقات الثقافية والتعليمية مع تلك الدول.
إلا أننا أغفلنا بشكل كبير بعدًا هامًا، وهو المصالح الاقتصادية، المحرك الأهم حاليًا في إدارة ودعم العلاقات السياسية الدولية.
· ذكرت من قبل أن العالم العربي ليس لديه أجندة واضحة للتعامل مع دول آسيا الوسطى، وأنه لا يملك أن يتحرك؛ لأنه ليس لديه الإرادة السياسية لفعل ذلك؟ ماذا تقصد بذلك؟
- أقصد بصراحة أن أغلب الأنظمة العربية ليس لديها مشروع حضاري واضح المعالم لصالح أوطانها، وتمدد حضارتها، وتوسيع دائرة مصالحها الاقتصادية، وهو الأمر الذي يصب في النهاية لصالح تقوية نفوذ وقوة العالم العربي واقعه ومستقبله.
· لكن يا دكتور العالم العربي عنده العديد من مشكلاته الداخلية التي تجعله ينغلق على نفسه؟ فماذا يفعل؟ ولما يقحم نفسه في علاقات ربما يكون النفع منها قليلاً؟
- أغلب مشكلات العالم العربي مشكلات في فكر وتصور النخب الحاكمة مع ضعف قدرتها على العمل الإداري والميداني، ناهيك عن غياب رؤية واضحة لديها لمستقبل أوطانها، فمعظم حكومات عالمنا العربي لديها فشل في إدارة دولها سياسيًا وإداريًا واجتماعيًا، فضلاً عن إدارة علاقاتها مع بعضها البعض، باختصار أهم شيء لدى النخب المسيطرة هو دعم استمرارها في الحكم تحت غطاء الاستقرار، وليس البحث عن أفضل السياسات التي تدعم قوة دولها.
الصراع على المنطقة
· شهدت المنطقة تاريخيًا صراعًا محمومًا بين الإمبراطوريات المتعاقبة نتيجةً للموقع الاستراتيجي المتميّز الذي يربط بين أوروبا وآسيا، فماذا عن هذا الصراع؟ وما تأثير هذا الصراع على هوية المنطقة وعقيدتها؟
- شهدت المنطقة في القرن التاسع عشر صراعًا فيما بين روسيا وبريطانيا، والصين، والدولة العثمانية، فيما عرف في ذلك الوقت باللعبة الكبرى، الدولة العثمانية حاولت دعم منطقة تعتبر تاريخيًا الوطن الأم للأتراك؛ للحفاظ على هويتها الإسلامية التركية، ودعمت استقلال تركستان الشرقية بزعامة يعقوب بك، بينما حاول الآخرون الحصول على المكاسب الاقتصادية، والسيطرة على المنطقة الهامة استراتيجيًا، وكانت على مدار التاريخ المعبر التجاري الهام بين الصين وآسيا وأوروبا عبر طريق الحرير، الذي بدأ السير عليه منذ ما قبل التاريخ، وقد مثلت المدن التركستانية مثل: خوتن وكاشغر وبخارى وغيرها مراكز تبادل وتفاعل تجاري وثقافي هامة، وقد أسفر الصراع عن إعادة سيطرة الصين على تركستان الشرقية، وسيطرة الروس على خانيات خيوة وبخارى وخوقند وإمارات القازاق التي كانت تحكم تركستان الغربية، وذلك بحلول العام 1885، وقد عانت منطقة تركستان منذ ذلك الوقت من محاولات دائبة لإضعاف هويتها الحضارية، وعقيدتها الدينية، وقد أصبحت تلك المحاولات أشد عنفًا، وأكثر تنظيمًا في العهد الشيوعي في روسيا والصين، إلا أن أهم ما يميز العقيدة والحضارة الإسلامية بصفة عامة هو قدرتها على الصمود، والحفاظ على هويتها، حتى في أحلك الأوقات، بل والتقدم والانتشار واكتساب الآخر إلى صفها طواعية حتى وهي ضعيفة.
· انتشر مؤخرًا أن منطقة آسيا الوسطى منطقة صراع دائم بين القوى الكبرى المتنافسة هناك.. ماذا عن هذا التنافس؟ وهل مازالت المنطقة تفتقد قوة الدولة الكاملة؟
- التاريخ يعيد نفسه، فهناك تنافس حول المنطقة الغنية بالثروات والموقع الهام، وقد اكتسب التنافس لاعبين جددًا، ففضلاً عن روسيا والصين، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك إيران وتركيا وإسرائيل، ويعزز ذلك أن المنطقة بالفعل تفتقد قوة الدولة الكاملة، فهناك عدم استقرار وافتقاد تكامل الشعب والسلطة الحاكمة التي لا تعبر فعليًا عن الشعب الذي تحكمه، ففي تصوري أن الوضع هناك– كما في معظم دول العالم العربي– عبارة عن نخب حاكمة لها دول، ومن ثم تنتشر حالة عدم الثقة، وفقد الاستقرار، وضعف الدولة، وهذا يغري الآخر بالتدخل.
* وماذا عن استثمار هذه القوى الكبرى لحالة عدم الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى؛ لزيادة التمدد العسكري في المنطقة، سواء عن طريق إنشاء قواعد عسكرية، أو تدخل غير مباشر في إدارة هذه الدول؟
- كما سبق فالوضع العام يساعد على ذلك، فالأنظمة لافتقادها دعم شعوبها تبحث عن دعم من الخارج، ومن ثم تقبل التدخل في إدارة شؤونها باتباع سياسات وتوجيهات القوى الكبرى، وبالعضوية في منظمات تفتقد توازن القوى بين الدول المشاركة فيها كمنظمة شنغهاي للتعاون، ومعاهدة الأمن الجماعي. وكما هو معروف فهناك قواعد لأمريكا في المنطقة كقاعدة ماناس في قرغيزيا، والقاعدة الروسية الجوية هناك أيضًا، وبعد أحداث 11/9/2001 استخدمت أراضي أوزبكستان وطاجكستان من قبل قوات الناتو في الحرب على أفغانستان.
الأطماع الغربية:
· رغم أن هناك بُعدًا جغرافيًا كبيرًا بين منطقة وسط آسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الأخيرة وضعت المنطقة على رأس أولوياتها، برأيك يا دكتور، لماذا هذا الاهتمام؟ وماذا تريد الولايات المتحدة من هذه المنطقة بالضبط؟
- بانهيار الاتحاد السوفيتي أغرى ذلك أمريكا- كشأن القوى الكبرى البراجماتية التي يعد تحقيق المنافع المختلفة سياسية أو اقتصادية على رأس أولوياتها– فسارعت إلى الاهتمام بالمنطقة والنفاذ إليها مباشرة، أو عن طريق إسرائيل، ومثلت أحداث 11/9/2001 فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها، والتي تتمثل في الحصول على حصة من الثروات الضخمة في المنطقة، محاصرة النفوذ الروسي، وإعاقة التمدد الصيني والإيراني، وربما إعاقة إقامة تكتل توراني تقوده تركيا يسفر عن إمبراطورية تركية جديدة، وما يثيره ذلك من مخاوف لدى أوروبا والغرب، منع أي دعم محتمل من تلك الدول، والتي لها امتدادات عرقية في أفغانستان من دعم المقاتلين الأفغان، ومن ثم تحول أفغانستان إلى مستنقع يغرق أمريكا كما أغرق الاتحاد السوفيتي السابق.
· وماذا عن التحركات الأمريكية لإزاحة روسيا من المنطقة؟ ماذا تستفيد واشنطن من هذا، رغم أنها ربما تحتاج موسكو في تعاون ما هناك؟
- تحاول أمريكا جذب المنطقة تجاه الغرب بعيدًا عن روسيا بالمساعدات الاقتصادية والتقنية، والانضمام لبرامج يرعاها الناتو كالشراكة من أجل السلام، إقامة القواعد العسكرية، وذلك في محاولة لمحاصرة وإضعاف النفوذ الروسي القوى في المنطقة، على أمل ألا تعود روسيا قطبًا عالميًا معادلاً في قوته السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، وبالأخص إذا تكامل جيدًا مع الصين اللاعب الهام في المنطقة.
· وما الهدف الحقيقي من الإصرار على إبقاء قواعد عسكرية أمريكية وروسية في المنطقة؟
- عدم تخلى أي من الطرفين عن نفوذ وموطئ قدم إذا ما تركه سيتمدد فيه الطرف الآخر.
· وبرأيك، إلى متى يستمر هذا الصراع على منطقة آسيا الوسطى؟ وهل سيترك أحد هذه الأطراف هناك طرفًا آخر أن ينجح ويستمر؟ وما تأثير ذلك على الاستقرار في المنطقة؟
- سيستمر الصراع طالما بقي الضعف السياسي، وغياب الرؤية الواضحة للأهداف، وتنحية الشعوب عن حكم أوطانها حكمًا فعليًا، وستحاول أطراف الصراع الاستمرار في المنطقة بكل السبل، ولو بإثارة القلاقل والاضطرابات في المنطقة، بالأخص مع وجود ملفات ضعف كثيرة في بنية تلك الدول، كالمشاكل العرقية والحدود السياسية والفساد.
· وأين قادة هذه الدول من هذا الصراع الذي يستهدف اقتصادهم ومكانتهم السياسية؟
- قادة هذه الدول لا يهمهم سوى البقاء في السلطة، وتكديس الثروات دون اعتماد سياسة واضحة تقوى بها دولهم، ومن ثم تستطيع التخلص من أطماع الآخرين والصراع المحتمل من جراء ذلك.
· وكيف يمكن لهذه الجمهوريات أن تتوحد كلمتها، وتفيق لمثل هذه المخططات التي تستهدف اقتصادها وهويتها؟
- لن تتوحد كلمتها وتفيق ما لم تكن أنظمتها الحاكمة معبرة تعبيرًا حقيقيًا عن شعوبها، وهذا لن يتم إلا أن تكون مختارة اختيارًا ديمقراطيًا فعليًا، وليس صوريًا. ومن ثم ستكون الأنظمة على اختلاف الدول التي تحكمها معبرة عن شعب واحد ذي هوية حضارية ودينية وعرقية واحدة، وبالتالي تتوحد كلمتها، وتزداد قوتها.
· وماذا عن تعاطي دول آسيا الوسطى والقوقاز مع قضايا المنطقة المحيطة بها؟
- هذه الدول سياستها ليست مستقلة استقلالاً تامًا، بل تتأثر بتوجهات القوى الكبرى في المنطقتين، ومن هنا تتعامل مع القضايا المحيطة بها بما يتفق ولا يغضب القوى ذات النفوذ في المنطقتين.